الاثنين، 28 فبراير 2011

تحولت حياتنا الي اسقاط بلا حمل ولا ولاده


يد تصفع ويد تصفح!!
بقلم : محمد أبوكريشة
منتصف شهر فبراير
Mabokraisha@yahoo.com
Mabokraisha@hotmail.com
*************************************************************************
يا قوم .. أليس منكم رجل رشيد؟ ياناس .. ياعالم.. يا أهل مصر لا تجعلونا نحب من كرهناهم.. لاتجعلونا نتحسر علي من ملأوا حياتنا حسرة.. لا تجعلونا نقل : "ولا يوم من أيام المفسدين والمستبدين".. هل أصبحت تلك عادتنا..؟ هل هو مكتوب علي الجبين المصري أن يجعلنا الحاضر نحب الماضي ونقول: ليت أيام العذاب والديكتاتورية والفقر دامت؟ .. لم تتخلف تلك العادة وذلك المكتوب في أي عهد.. عندما حكم المماليك تحسرنا علي الأيوبيين.. وعندما حكم العثمانيون تحسرنا علي المماليك.. وعندما تحكم الانجليز تحسرنا علي العثمانيين والخلافة الإسلامية وعندما قامت ثورة يوليو قلنا: ولايوم من أيام الملكية.. وعندما حكم السادات قلنا: ليت أيام عبدالناصر واشتراكيته دامت وعندما حكم مبارك اعتذرنا للسادات وبكينا أيامه.. وعندما اندلعت حركة أو ثورة 25 يناير نوشك أن نقول: ولو يوم من أيام مبارك.. كل حاضر يبكينا علي الماضي ويجعلنا نضع أيدينا علي قلوبنا من الآتي.. كل السيناريوهات صارت مرعبة ومخيفة وسخيفة.. تنتزع من القلوب أي فرحة وأي تفاؤل.. نحن في حالة هدم لا تنتهي .. نحن في حالة تصفية حسابات مع عهد بائد ليس لها آخر.. نحن نلاحق فساد الماضي لنفسح المجال لفساد الحاضر.. نحن في أي عهد نطلق سراح معتقلي وسجناء العهد الفائت لنفرغ السجون والمعتقلات لنزلاء الحاضر.. لكن السجون والقضبان باقية مهما تغير السجين والسجان.. بل يتحول سجان العهد البائد إلي سجين الحاضر.. ويتحول سجين الماضي إلي سجان الحاضر .. ومن كان جلادا يصبح مجلودا.. ومن كان مجلودا يصبح جلادا.. الفوضي تتعامل مع الناس بلا عقل وبلا تمييز تأخذ العاطل والباطل تحكم بلا تحقيق ولامداولة.. تدين بلا دليل وتبرئ بلا دليل.. أمواج الفوضي يجيد ركوبها البلطجية والفتوات واصحاب الحناجر والقادرون علي القفز بسرعة من السفينة الغارقة الي السفينة العائمة.. الفوضي ليس فيها أي أجندة عامة لوجه الله والوطن ولكن فيها أجندات خاصة يتم تمريرها من خلال الضجيج والغوغائية الفوضي يحكمها منطق "فيها أو أخفيها".. وعليَّ وعلي أعدائي .. تحكمها أجندة الهدم.. أجندة "إرحل .. امشي" بلا بديل ولا برنامج ولا منهج الشعب يريد اسقاط النظام وتحت هذا الشعار تتحول حياتنا كلها إلي اسقاط بلا حمل ولا ولادة.. وهدم بلا بناء.. وشطب بلا كتابة.. نتحول جميعا الي حفاري قبور وحانوتية ولحادين.. ولا أظن أن الهدم يحتاج الي ابداع.. ولا أظن ان الاسقاط يحتاج الي عبقرية .. أي حمار يمكنه أن يركل جدارا فيهدمه.. وأي ثور يمكنه ان ينطح شجرة فيسقطها.. لكن الحمار لا يستطيع بناء جدار بديل ولا يستطيع الثور زراعة أو غرس شجرة جديدة.
ومصر الآن في حالة هدم.. الشعب والدولة مستغرقان تماما في الهدم.. الشعب استغرق وغرق حتي أذنيه في التظاهر والاعتصام والاحتجاج لاسقاط كل ما يقف في طريقه.. المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات صارت أوراما خبيثة تنتشر في جسد مصر كالنار في الهشيم الشعب الذي عاش طويلا مظلوما يريد أن يمارس دوره في الظلم.. يريد أن يكون ظالما ولو حتي ظلم نفسه ووطنه .. الشعب أراد إسقاط النظام لتحل محله الفوضي والفراغ لأن الشعب لم تكن لديه سوي أجندة الاسقاط والهدم.. الشعب يمارس الاستبداد الذي قاساه وعاناه.. يمارس الديكتاتورية بآليات الديمقراطية.. الناس يطبقون المثل القائل: "بيت أبيك خرب أو سقط الحق خد لك منه قالب".
الشعب لا يريد أن يتكاتف لإقامة بيت بديل لبيت أبيه الذي أسقطه.. ولكنه يتصارع علي خطف القوالب من البيت المنهار ليترك الوطن خرابا يبابا ينعق فيه البوم والغربان.
والدولة في حالة هدم أيضا.. هدمت الدستور والبرلمان والمؤسسات.. ويقول رئيس الحكومة: لسنا في عجلة من أمرنا.. نفس خطايا الماضي القريب.. نفس الايقاع البطيء والمتثائب الذي أخذ يفكر ويفكر ثم نام وهو يفكر ويفكر ثم قام وهو يفكر ويفكر.. ثم اكتشف انه وهو يفكر ويفكر كان يفكر ويفكر.. ثم نسي في أي شيء يفكر ويفكر.. الدولة تعاني نفس الهشاشة التي كانت في الماضي القريب.. الدولة ليست ثورية في مرحلة الثورة.. الدولة تلف حول الأمور ولا تقتحمها .. وكل ما فعلته الدولة حتي الآن نظري.. حظر التجوال كان شعاراً بلا مضمون وقرارا بلا تطبيق.. الدولة تحقق في قضايا الفساد والمفسدين لكن الشعب سبقها وأصدر حكم الادانة علي كل ما يتم التحقيق معه.. وكل الذين تم منعهم من السفر أو التحفظ علي أموالهم أدانهم الشعب قبل انتهاء التحقيق وقبل المحاكمة.. حتي الآن لا يوجد مدان واحد بالفساد في النظام السابق لكن الشعب المتعجل والمتشفي والشامت أصدر حكم الإدانة.. رغم أن قرارات المنع من السفر أو التحفظ علي الأموال ليست ادانة.
***
الدولة ليست في عجلة من أمرها لكن الشعب متعجل.. الكل الآن مدان ومجرم في رأي الشعب والدولة لا تشرح للناس الفرق بين اجراءات التحقيق وحكم الإدانة.. الدولة تنافق الجماهير ولا تجرؤ علي أن تقول ان المتهم بريء حتي تثبت إدانته.. لذلك أصدر الناس أحكام الإدانة علي حبيب العادلي وأحمد عز وزهير جرانة وأحمد المغربي ورشيد محمد رشيد وزكريا عزمي وصفوت الشريف.. أصدروا أحكاما نهائية غير قابلة للاستئناف أو النقض.. ولو حصل أي من هؤلاء علي البراءة فإن الناس سيثورون وسيتهمون الدولة بالموالسة .. الناس يرفضون براءة هؤلاء حتي لو كانوا أبرياء لأن الدولة ماشية علي موجة الناس وتنافق الجماهير ولا تدعو الي التريث والهدوء وتحكيم العقل وترك الكلمة النهائية للقضاء.. نفس منطق النظام السابق في عمل وافتعال زوابع في فنجان واقامة الدنيا وعندما ينتهي الأمر بالبراءة يكون سقف توقعات الناس قد علا.. وتكون الادانة لديهم حتمية.. لذلك يرفضون البراءة التي تفاجئهم ويعتبرون الدولة "موالسة" ومتسترة علي الفساد والجريمة.
ليس لدي أي منا ولو كان غاية في الانصاف والعدل والتعقل أدني شك في أن كل الأسماء التي ذكرتها مجرمة ومدانة ويستحق أصحابها الذبح ولست ادري "بأمارة إيه".. هل المنع من السفر والتحفظ علي الأموال يعني الإدانة.. أم هي محكمة الثورة التي لا تعترف بأحكام القضاء العادي؟ أم هي رغبتنا المتواصلة في الشماته والتشفي بدليل أننا دائما نهلل للإدانة ونحزن للبراءة؟ نري دائما أن الإدانة عدل وأن البراءة "موالسة" وطرمخة وتطبيخ للقضية.. نحن عدوانيون للغاية .. وكل قليل أدب وطويل لسان عندنا شجاع.. وكل داع الي العقل والمنطق والحكمة منافق وموالس.. هكذا بلا شروط ولا تحفظات.
ثورة أو حركة 25 يناير تتعرض الان للسطو والسرقة والنهب .. لكن ليس من جانب تيارات سياسية أو قوي خارجية ولكن من جانب اصحاب المطالب الفئوية والمالية والمتصارعين علي الغنائم والأسلاب.. ثورة 25 يناير قادها نبلاء وشرفاء وشهداء لديهم أجندة وطنية عالية وعامة.. وهؤلاء حاربوا وانتصروا لكن غيرهم يجمع الغنائم والاسلاب.. ترك فرسان 25 يناير الميدان للبلطجية والفتوات والمتظاهرين من أجل منصب أو تعيين أو علاوة أو بدل وجبات.. أو المتسولين المتظاهرين من أجل زيادة الصدقات.. وجعل الحسنة القليلة كثيرة.
ثورة 25 يناير ستتجدد اذا ظلت الدولة علي إيقاعها البطيء والممل والمتكاسل.. لكنها لن تكون ثورة نبيلة.. بل ستكون ثورة البلطجية والهليبة وراكبي الموجة وهواة جمع الغنائم والأسلاب الذين يحارب غيرهم وينتصر ويخرجون هم من الجحور ليجمعوا الغنائم.. كل الناس في بلدي الآن يقولون إنهم "ثوار ثوار ولآخر مدي".. الناس عرفوا ضعف الدولة وهشاشتها .. وهم واعون الي أن الدولة الان "لا تهش ولا تنش" وأنها مازالت في مرحلة الرجل الذي يفكر ويفكر .. وينافق الجماهير .. ورئيس الحكومة لم يتجاوز بعد مرحلة المهادنة والرقة المبالغ فيها.. لم نلحظ بعد في لهجته أي حسم أو قوة.. هو يقول: نريد أولا أن نطمئن علي عودة الأمن وكوب الشاي ولقمة العيش.. ولا يقول أبدا إن الحكومة مصممة علي إعادة الأمن وضبط الحياة اليومية ولن تسمح بهذا التهريج وتلك الفوضي.. الدولة مازالت "مخضوضة" مما جري ولا تريد أن تتجاوز مرحلة "الخضة".. لا تريد أن تلم نفسها سريعا.. ولا تستطيع أن تفرق بين الديمقراطية والفوضي.. لا تدرك الخط الرفيع بينهما.. لم يتبين لها حتي الآن الخيط الأبيض من الخيط الاسود من الفجر.
***
والناس واعون تماما لهشاشة الدولة وبطء إيقاعها.. لذلك طمعوا فيها ورفعوا سقف مطالبهم الخاصة وعرفوا أن الذين اسقطوا النظام كله بمظاهرة .. يمكنهم أن يسقطوا الحكومة بمظاهرة .. وأن يسقطوا رؤساء الصحف والبنوك والتليفزيون والشركات والأفران البلدية بمظاهرة أو وقفة احتجاجية.
.. ومع الوقت سيتحول ميدان التحرير من رمز للثورة إلي رمز للفوضي .. مع الوقت سيسقط الأبناء والبنات آباءهم وأمهاتهم بمظاهرة أو وقفة احتجاجية.. سينقل التلاميذ مدرسيهم بمظاهرة سيجبر طلاب الجامعة رئيسها أو الاساتذة فيها أو عمداء الكليات علي الاستقالة بمظاهرة وسيسقط شيخ الأزهر والمفتي والبابا بمظاهرة أو اعتصام.. لم يعد هناك أي كبير علي إسقاطه بمظاهرة أو اعتصام.. لن يستطيع مدير الأمن أو المأمور أو حتي وزير الداخلية أن يصدر أوامر أو تعليمات لانه يمكن ان يسقط أو ينقل بمظاهرة كما تم نقل مدير أمن الوادي الجديد.. فقد عرفت وزارة الداخلية ربما لأول مرة في تاريخه مظاهرات الضباط والجنود والأمناء.. حتي الذين من صميم عملهم فض المظاهرات والمسيرات اصبحوا يتظاهرون.. فمن يفض مظاهرة هؤلاء اذا انقلبت الي تمرد وفوضي كما حدث عام 1986 عندما تمرد جنود الأمن المركزي؟
الحكومة أو الدولة تلدغ من الجحر الواحد مائة مرة.. مازالت تتعامل بالبطء والموالسة.. مازالت "مخضوضة وملخومة" وغارقة في طوفان المظاهرات والفوضي.. مازالت بعيدة تماما عن الحسم حتي بمجرد الكلام الكبير من عينة "لن نسمح ولن نتهاون وسنضرب بيد من حديد".
كل دولة في العالم مهما بلغت درجة عدلها وديمقراطيتها لابد أن تكون لها يدان.. يد تصفع ويد تصفح.. فإذا اكتفت الدولة باليد التي تصفع فهي غاشمة واستبدادية وظالمة.. وإذا اكتفت باليد التي تصفح فهي ضعيفة وهشة ومخضوضة وملخومة.. لابد ان تكون اليدان متساويتين في القوة والقدرة علي الصفع وعلي الصفح.. لابد أن تقسو علي من ترحم.. فإذا افلت الزمام فإن الوطن كله هو الضحية.
لا يمكن أن يصبر الوطن طويلا علي عزلته الدولية والاقليمية.. لا يمكن ان تظل مصر طويلا منكفئة علي ذاتها وغارقة في السكرة والنشوة بما حدث يوم 25 يناير.. ثم غارقة في زلازل ما بعد هذا التاريخ.. ثم منغمسة في المطالب الفئوية والطائفية والمهنية.. ثم منشغلة بسياسة إطفاء الحرائق المنتشرة في كل شركة ومؤسسة ومدرسة وغرزة.. لا ينبغي ان تظل الدولة تتعامل مع الفوضي كأن الأمر لا يعنيها.. وان تظل مستمرة عند مرحلة مهادنة الجماهير ومداهنة الناس والطبطبة عليهم حتي اذا كانوا بلطجية وسارقي فرح.. ففرحتنا توشك ان تسرق .. وهؤلاء الذين يتظاهرون في كل مكان يوشكون ان يسرقوا الكحل والنور من عيوننا وان يكسروا "الكلوب بآلاف الكراسي".
***
الدولة ينبغي ان تكشر عن أنيابها قليلا وأن تكف عن الاستجابة لأي مطلب حتي إذا كان غير منطقي وأن ندعم قادة العمل في كل مكان حتي تصدر قرارات باستبدالهم بناء علي رؤية منطقية لا بناء علي طلب الجماهير.. الدولة يجب ان تتجاوز هذا الدور الذي لا يليق بها.. وهو دور المذيعة التي تقدم برنامج ما يطلبه المستمعون.. وما يطلبه المعتصمون.. وما يطلبه المتظاهرون.. وما يطلبه المحتجون.. لا يجب ان تظل الدولة نائمة علي أساس أن الوقت مبكر.. ويسمح لها بان تفكر وتفكر.. لابد أن تغادر الدولة بسرعة سريرها وفراشها الوثير وأن تكون لها يدان.. يد تصفع ويد تصفح!!
نظرة
لابد ان تدرك الحكومة والدولة أن هناك فرقا بين الديكتاتورية والحسم .. لابد أن تتخلي عن الميوعة والسيولة والبطء في معالجة الأمور.. وأن تعي أن أي قرار مهما بلغت درجة عدله لابد ان يرضي فريقا ويغضب فريقا آخر.. لكنه قرار لابد منه.. ويجب ان تعي الحكومة أن الحل الذي يرضي جميع الاطراف هو اللا حل.. بل إنه مشكلة كبري.. لابد أن نفيق حتي نغرق في المظاهرات والفوضي.. ثم تتوقف حياتنا اليومية تماما.. ويصبح حل الأمور "بالدراع" والبلطجة.. "واللي موش قد المسئولية يسيبها ويريحنا".
يا مصر اصحي بقي وفوقي من النشوة
موش كل يوم مظاهرة غدوة أو عشوة
يا حكومة زقي العجل خلي إيقاعك سريع
الحل حسم الأمور .. موش وعد أو رشوة!!

ليست هناك تعليقات: